"حماس" و"الإخوان المسلمين"

"حماس" و"الإخوان المسلمين" وإيران في "بذور"

  • "حماس" و"الإخوان المسلمين" وإيران في "بذور"

اخرى قبل 5 سنة

"حماس" و"الإخوان المسلمين" وإيران في "بذور"

المفكر والكاتب العربي بكر أبوبكر

في ندوة فارقة أقامتها جمعية بذور للتنمية والثقافة في نابلس تحدث الأستاذ محمد الشربيني وأجاد في وصف العلاقة بين فصيل "حماس" الفلسطيني وبين الجمهورية الاسلامية في إيران، حيث أشار وكرر أن العلاقة ليست أيديولوجية أوعقدية، وانما هي علاقة مصلحية، مشيرا لبدايتها وتذبذبها حسب المواقف السياسية المختلفة.

وبعد أن اشار الأستاذ محمد للمواقف الايرانية تجاه القضية الفلسطينية التي تكلّلت باعلان آخر جمعة في كل رمضان كيوم عالمي للقدس، أضاف متحدثا عن التوازن في خدمة المصالح وهو ما يحرك "حماس" أوضمن مفهوم المصلحة الراجحة، ما يعني التنسيق والتعاون وليس التحالف سواء بالعلاقة مع ايران اوغيرها.

كما تعرض لمواقف متناقضة ومتعارضة من قبل "حماس" تجاه ايران، فحين يقدم خالد مشعل الشكر لايران، ويقول أن حماس هي الابن الروحي للإمام الخميني! يتغير الموقف بعد وصول مرسي لحكم مصر، وحين يعتبر يونس الأسطل أن ايران المسلمة أفضل من الدولة العربية السنية! فإن الموقفف لا يلبث أن يتغير حينما وقفت "حماس" ضد النظام السوري المتحالف مع ايران وحزب الله، ومع التنظيمات الاسلاموية في سوريا، فتتذبذب العلاقات من جيدة الى تنافر وعداء، ثم الى فاترة حتى اليوم رغم استمرار الدعم الايراني للقيادة العسكرية لحماس.

يؤكد الأستاذ الباحث أن التعبئة الداخلية في "حماس" تختلف كليا عن الخطاب السياسي عامة- وهو ما أشرنا له طويلا في كتابنا: طريق مغلق،الديمقراطية والتعبئة في التنظيمات الاسلاموية.

فعلى سبيل المثال في العنوان قال المحاضر محمد الشربيني أن القيادي في "حماس" صالح الرقب أصدر كتابا ضد الشيعة يوزع على أبناء حماس في غزة تحت عنوان: "الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة" ما يؤكد الخطاب المزدوج لحماس.[1]

مع كل الشكر للاخوة المتدخلين وللأخ بشار الصيفي والاخ د.رائد الدبعي من قيادة جمعية بذور، فلقد طاب لي التعليق على مجموعة من النقاط في محاولة للتأصيل والدعم للبحث الهام.

اولا: أشرت الى قاعدة الشيخ رشيد رضا الذهبية أو قاعدة المنار الذهبية، وهي قاعدة لطالما كررها حسن البنا وهي تلك القائلة (نتعاون على ما نتفق عليه ، ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه) والتي أشار الشيخ رضا حين إطلاقها قائلا في مجلته المنار: "وقد افتتحت الدفاع عن التقرير بالإشارة إلى ما يعرفه أكثر أعضاء المؤتمر،وغيرهم من جهادي مدة ثلث قرن ونيف في سبيل جمع كلمة المسلمين على طريقة أستاذي، بل أستاذيْ العصر وحكيميه السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده،المصري، ويشهد لي بذلك أكثر من ثلاثين مجلدًا من مجلة المنار لا يمكن لأحد أن يماري فيها، قلت: وإن لي قاعدة معروفة مشهورة في الجمع بين أصحاب المذاهب الإسلامية سميت القاعدة الذهبية".

ورغم أن السلفيين الذين أشار بعض قادة "حماس" كصالح الرقب أنها –أي حماس والاخوان-تنتسب اليهم، فإنهم أي السلفيون يرفضون هذه المقولة الذهبية التي يعتمدها "الاخوان المسلمين" ولا يقرونها، في حين أن "الاخوان المسلمين" الذين تعتبر "حماس" فرعها الفلسطيني يعرّفون أنفسهم ب"السلفية" ضمن التعريف الثماني المثير للجدل القائل أنهم: دعوة سلفية، وطريقة سنية،وحقيقة صوفية،وهيئة سياسية،وجماعة رياضية،ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية،وفكرة اجتماعية!

ثانيا:في الإشارة الى اللقاء بين "الاخوان المسلمين" والثورة الايرانية، أو مع قيادة الشيعة، هناك سياق قديم وآخر جديد، ففي القديم التقى حسن البنا مع أئمة الشيعة في الحج وفي مصر مثل اللقاء مع محمد تقي القمي الذي أقام دار التقريب بين المذاهب في مصر، وقابل البنا المرجع الشيعي آية الله الكاشاني في الحج عام 1948[2] وحيث يشار الى أن البنا استقى فكرة الخلافة من فكرة الإمامة الشيعية ليستطيع جمع الامة عليها من الزاوية السياسية، وتأخذ طابعا دينيا، ما لم يكن مطلقا لدى السنة.

وحيث تمت الإشارة من قبل حسن البنا لتقبله السير وراء الامام المهدي المنتظر (الشيعي) قائلا ردا على سؤال من أحد تلامذته: لنقيم الخلافة أولا حيث ينصب خليفة سني ثم خليفة شيعي، وعندما يأتي المهدي المنتظر (المقصود المهدي المنتظر للشيعة) نتبعه جميعا.

أما في القريب نسبيا من العلاقة بين ايران الثورة الاسلامية "الشيعية" و"الاخوان المسلمين" فكان بعد العام 1979 حيث ذهب وفد اخواني (كما ذهب أيضا وفد من حزب التحرير لاحقا)[3] لزيارة إيران والتهنئة بالثورة وتدارس سبل التعاون، و"كان مسؤول الاتصال بين الإخوان وقيادة الثورة الإيرانية في ذلك الوقت القيادي في الإخوان: يوسف ندا، وهو رجل أعمال مصري مقيم في سويسرا، وكان يوسف ندا مصدر المعلومات الرئيس للإخوان عن الثورة ورؤيتها وأدائها وكل ما يتعلق بها من تفاصيل، حيث كان مكلفا بمتابعة الملف الإيراني منذ 1978. وزار وفد من قيادات الإخوان من خارج مصر إيران (من عدة دول) للتهنئة بالثورة، وكان على رأس الوفد عبد الرحمن خليفة، المراقب العام للإخوان في الأردن، الذي كان وقتها نائبا عن المرشد العام، وخصصت مجلة الإخوان الرئيسة: "الدعوة"، صفحتها الأولى بعد شهر واحد من انتصار الثورة، وتحديدا في مارس (آذار) 1979، لعنوان بارز هو "خميني بين آمال المسلمين ومؤامرات الصليبية والشيوعية"، وانعكست أخبار وتصريحات تؤيد الثورة الإسلامية لدى أفرع تنظيم الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي وإسلامي."[4]

ثالثا: حيث ذكر الباحث الحذر والعمليانية (البراغماتية) في علاقات "حماس" أحببت ذكر حادثة مؤيدة، فكانت دعوة الراحل الشهيد خليل الوزير في السبعينات لثلاثة من قيادات "الاخوان المسلمين" الفلسطينيين قبل انشاء "حماس"، هم الشيخ أحمد ياسين ود.أحمد نوفل والشيخ هاشم الخازندار[5] الى لبنان فما كان من أمر الشيخ ياسين الا أن مزق جواز السفر الذي أرسل له قائلا: أنا لا أتعامل مع العلمانيين! ليتغير هذا الموقف بعد 20 عاما حين التقاه الرئيس أبوعمار رحمهما الله بالأحضان.

رابعا:اجتهد "الاخوان المسلمين" خاصة التيار القطبي الاقصائي في محاولة إظهار الارتباط وعدم الانفكاك مطلقا بين فكرة أن الممثل الوحيد للاسلام أو المتحدث الحصري باسمه هم "الاخوان المسلمين"! الى الدرجة التي ظن الكثيرون من "الاخوان" حين خرجوا من التنظيم كأنهم خرجوا من الدين! وفي ذات الربط حاول الاخوان أيضا ربط الشريعة والشرع والحاكمية والتدين بهم ونجحوا فترة طويلة في ذلك.

وفي ذلك يقول الشيخ محمد الغزالي: "لقد تغلغل هذا الضلال في نفوس الناشئة حتى سأل بعضهم: هل يظن المسلم نفسه مسلما بعدما خرج من صفوف الجماعة؟"

وحيث قال فيهم الشيخ محمد متولي الشعراوي: "انضممت إلى الإخوان وكتبت أول منشور بخط يدي، لكن علمت أن المسألة ليست مسألة دعوة، وجماعة دينية، وإنما سياسية، وأغلبية وأقلية، وطموح إلى الحكم، وفي تلك الليلة اتخذت قراري وهو الابتعاد عن الجماعة"[6]

ويضيف الشيخ الشعراوي:"ومازال الإخوان يعشقون الحكم، ومنطقهم: "فيها أو أخفيها"، والاخوان لا يسمعون الإسلام إلا من حناجرهم.. إن قام واحد ليقول في الإسلام وليس منهم فلا يسمعون حديثه."

ويضيف الباحث حسين القاضي[7] نقلا عن الشيخ محمد الغزالي قائلا: "إنه يؤسفني أن أقول: إنني كنت إذا صارحت بأن للإخوان أخطاء وجدت العيون تحمرّ، والوجوه تثبت، وكأني كفرت، إنها عصبية عمياء.. إنه لا حرج أبدأ من اختلاف وجهات النظر، لكن لا يجوز لصاحب رأي ما أن يحسب نفسه المتحدث الرسمي باسم الله ورسوله، وأن من عداه خارجون عن الإسلام، بعيدون عن الحق.. قد تستطيع عصابة من الناس أن تخطف (حكما) بالاغتيال والنسف أو بالاحتيال والعسف، بيد أن نسبة هذا الحكم لله حمق كبير... من حق العقلاء أن يمقتوا الدين، وينبذوا تعاليمه يوم يكون الدين مرادفا لجمود الفكر، وقسوة الطبع، وبلادة العاطفة، ويوم يكون استيلاؤه على زمام الحياة عودة بها إلى الوراء وتغييرا لفطرة الله...إنه يومئذ لن يكون دينا من عند الله، بل أهواء من عند الناس، ولن يكون السير عليه تقوى ومثوبة، بل معصية وعقوبة".

خامسا: في سياق حديث الباحث محمد الشربيني عما يسمى "المصلحة الراجحة" في "حماس" ضمن المصالح المرسلة، وتقديم مصلحة الحزب على الامة، أحببت أن اوضح أن خطاب كثير في "حماس" الذي يتهم الآخرين بأنهم فرطوا بفلسطين خطاب مضلّل، فالكل يريد فلسطين، في حين أن الوعي والفهم والمنهج يختلف بالوسائل والمراحل.

نرى تكرارعدد من قاعدة حماس: أننا سنحرر فلسطين من النهر الى البحر، وتأتي وثيقة حماس للعام 2017 مؤكدة على قبول الحل المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية المتمثل بدولة على حدود 1967!

وكي لا نذهب بعيدا فلقد قال القيادي في المكتب السياسي ل"حماس" سهيل الهندي بالامس القريب جدا في 5/3/2019 التالي نصا: "نحن كحماس وباقي الفصائل الفلسطينية على استعداد ان يكون هناك التزام من طرفنا طالما التزم العدو الصهيوني بهذه التفاهمات" أي بوضوح اقرار التنسيق الامني.

وقال أيضا:"هناك اجماع وطني، وأنا عن كل القوى السياسية لا أحد ضد المفاوضات ولكن المفاوضات على أي أساس، المفاوضات تحتاج الى ميزان قوى على الارض"، وهذه موافقة متكررة على المفاوضات، ونأتي للثالثة حيث قال ما قاله الرئيس أبومازن والقيادة الفلسطينية تماما، نريد:"مؤتمر دولي ينعقد على اساس قرارات الشرعية الدولية وسقف زمني يقود الى دولة فلسطينية على حدود 67"! فأين الاختلاف السياسي في مواقف "حماس" عن منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح؟

في ختام الندوة الهامة وبعد أن شكر د.رائد الدبعي جميع الحاضرين لوقتهم الثمين ومداخلاتهم وعد بتكرار مثل هذه اللقاءات الثقافية والفكرية العلمية لا سيما وأن جمعية بذور تعتبر من أبرز منابر الثقافة والتنمية والفكر في فلسطين.

#بكر_أبوبكر

الحواشي [1] يقول صالح الرقب القيادي في "حماس" في مقدمة كتابه: "فإنّ الباعث على إعداد هذا الكتاب هو ما لوحظ من زيادة نشاط الدعوة للشيعة الإثنى عشرية فـي الآونة الأخيرة على مستوى قطاع غزة خاصة، من بعض الشباب المسلم المخدوع المغرربه- ممن وقعوا ضحية التقية والجهل- ولما حصل من غفلة كثير من عوام المسلمين عن خطر هذه الفرقة على الدين الإسلامي، وما فـي عقيدتها من كفريات، وبدع، وضلالات، وسقائم، وشنائع ومن أمثلتها:الطعن فـي القرآن الكريم،والسنة النبوية الصحيحة، والطعن فـي الصحابة رضوان الله عليهم، والغلو فـي الأئمة إلى حد التأليه، وتكفـيرأهل السنة، وعبادة القبور، وتحليل المتعة الجنسية، وضرب الصدور والرأس بالسلاسل والسيوف.وشنائع الإمام المنتظر، والرجعة، والتقية، والبداء، والطينة، والغيبة."

[2] محمود عبدالحليم، الاخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ،الجزء الاول.

[3] وكان من المطالب ألا يتضمن الدستور الايراني (الاسلامي) أن ايران على المذهب الشيعي الجعفري الاثنى عشري كما نص عليه الدستور حتى اليوم.

[4] لمراجعة مقال: الثورة الإيرانية والإخوان.. الحماس والفتور في موقع (ميديل ايست اونلاين). ومقال ابراهيم بديوي في ساسة بوست عام 2017 تحت عنوان: إيران والإخوان المسلمون.. قصة الحب المستحيل!

[5] فقط الشيخ هاشم الخازندار رحمه الله لبى دعوة الاخ أبوجهاد، وذهب الى بيروت وتعاون مع الثورة الفلسطينية، لا سيما أنه الرجل الذي له الأيادي البيضاء السابقة على أبي جهاد وجماعته حين رفضه "الاخوان المسلمين" في غزة عندما قام مبكرا بالعمل المسلح في الخمسينيات من القرن العشرين.

[6] حوار الشعراوي مع مجلة المصور عام 1980، وكتاب (الشعراوي الذي لا نعرفه) لسعيد أبو العينين، وكتاب (الشعراوي عالم عصره في عيون معاصريه)، لمحمد يس جرز، ومما يؤكد صحة نسبة هذا الكلام للشعراوي إليه أن عمر التلمساني المرشد الثالث للإخوان شن هجوما عنيفا على الشعراوي ردا على هذا الكلام في مقال له في مجلة المصور عنوانه( تصحيح لوقائع)، العدد 3000، الصادر في 9 إبريل 1982م، وقال في مقاله إن الشعراوي ترك جماعة منهجها القرآن من أجل حزب منهاجه بشري، وأنه شخص متناقض، ولا يحب لأخيه ما يحبه لنفسه.

[7] الباحث حسين القاضي في حوار لـ"مصر العربية في 27 يونيو 2016

 

التعليقات على خبر: "حماس" و"الإخوان المسلمين" وإيران في "بذور"

حمل التطبيق الأن